الكهرباء في غزة.. أزمة لاتنتهي

يعيش أهالي قطاع غزة المتهالك منذ 16 سنة من دون كهرباء منتظمة وثابتة، وهي الأزمة التي تشكلت بعد استهداف قوات الاحتلال محطة توليد الكهرباء التابعة لشركة كهرباء غزة في العام 2006 على خلفية التوترات التي حدثت آنذاك بعد سيطرة حركة حماس على الحكم، ولحد اليوم تتراوح فترة استهلاك الغزيين للكهرباء بين 4 و 8 ساعات، وأحياناً تزف شركة الكهرباء خبراً مفاده أن هناك زيادة ساعتين في وصل الكهرباء كبشارة عظيمة.
أزمة الكهرباء منذ البداية
إعتاد سكان قطاع غزة المحاصر من العيش دون كهرباء كافية تلبي حاجياتهم اليومية،حيث تحولت غزة عبر السنوات الماضية إلى ساحة حرب، وأرض تصفية حسابات، ولا أحد يدفع الفاتورة غير الشعب الفلسطيني الأعزل. هذا ما أصبح جلياً لكل مواطن فلسطيني يعيش في غزة، دون أي قدرة على الاعتراض في وجه هذا الكيان الإلهي المقاوم والمتفرد “بمهمة تحرير الأرض”.
أثار استهداف إسرائيل لمحطة كهرباء غزة وتدميرها بالكامل الكثير من الانتقادات والتساؤلات من قبل الجهات الدولية حول هذه الخطوة وما سيتبعها، إذ إن الكهرباء بعد ذلك الاستهداف انقطعت عن قطاع غزة إلا في بعض الأيام التي كان الجانب الإسرائيلي أو المصري يغذي بها غزة ببعض ساعات الكهرباء المحدودة. في ذلك الوقت أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن تدمير محطة الكهرباء الوحيدة في غزة هو عقاب غير مبرر للمدنيين، إذ المفترض أن يكون النزال بين حماس وإسرائيل بعيداً عن المرافق والمنشآت الخدماتية في القطاع، هذا ما أثار غضب فئات واسعة من الشعب الغزي بين من حمّل حماس مسؤولية كل ما يحدث، وبين من بدأ بصنع المقارنات بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قبل وبعد سيطرة حماس، ولكن تلك الاحتجاجات سرعان ما خفت وهجها، إذ في تلك الأيام لم يكن بمقدور أي أحد أن يفهم الصورة كاملةً، فحماس تقدم نفسها للجماهير على أنها الخلاص الوحيد. أما هذه الكوارث الإنسانية التي رافقتها فما هي إلا ضريبة لا بد من دفعها فداءً للدين والوطن والقضية العادلة، بهذا المعنى بدأ الإنسان في غزة يجبر نفسه على التأقلم مع الأوضاع الإنسانية الكارثية التي كان أبرزها أن لا كهرباء متواصلة بعد اليوم.
تداعيات خطيرة
أثرت أزمة الكهرباء ليس فقط على قطاع المياه وإنما العديد من خدمات البنية التحتية التي تتراجع جراء هذا النقص، على سبيل المثال تكون فترة الانتظار لبعض أنواع العمليات الجراحية في أكبر مستشفى في غزة (مستشفى الشفاء) يمتد لما يصل إلى 18 شهرًا، بسبب الكهرباء، وفقًا لتقرير صادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وتضررت بشدة الخدمات الطبية، بما في ذلك الخدمات ذات القدرة على إنقاذ الحياة. وأدت التقلبات المستمرة في إمداد الكهرباء إلى خلل في تشغيل الأجهزة الطبية الحساسة، مثل أجهزة الأشعة وأجهزة المعامل، وأجهزة مراقبة مرضى القلب، وأجهزة التعقيم وحضانات المواليد. مما عرض حياة الغزيين للخطر، وحدوث حالات وفاة كان يمكن تفاديها إذا ما توافرت الكهرباء.
كما اضطرت المستشفيات في ترتيبها للجراحات الطارئة إلى تأجيل الجراحات الاختيارية والتي يمكن أن يكون لها مجموعة من التداعيات الخطيرة على المرضى المتضررين، حتى لو لم تكن مهددة للحياة.
وفي تصريح سابق للناطق باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، أوضح أن الوزارة في غزة اضطرت إلى تقليص خدماتها التشخيصية والمساندة بسبب تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء والنقص الحاد للوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات.
وبحسب المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان فإن نحو مليون ونصف المليون فرد من سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة يعيشون حالة الفقر بفعل الحصار والقيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع منذ 2006.
أزمة في المياه النظيفة
امتدت آثار أزمة الكهرباء لقطاع المياه، حيث عدم وجود إمدادات كافية من الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه والآبار، أدى إلى نقص في وفرة المياه، مما دفع أهالي القطاع للاعتماد على مصادر المياه الخاصة التي لا تخضع للرقابة، ومن ثم تكون ذات معايير صحية متدنية. بالإضافة إلى قصور محطات معالجة مياه الصرف الصحي ، ما ترتب عليه ارتفاع مستويات التلوث، حيث أصبحت أجهزة معالجة مياه الصرف الصحي غير قادرة على العمل مما أدى إلى ضخ مياه الصرف الصحي إلى البحر بدون معالجتها. يؤثر ذلك على الحياة اليومية لسكان قطاع غزة، وعلى الوضع الصحي أيضاً، لأن شاطئ البحر هو المتنفس الوحيد لهم. بالإضافة إلى أن هناك خطر مستمر لطفح مياه الصرف الصحي في الشوارع.
وأدى النقص المزمن في الكهرباء على مدى عدة أعوام متتالية إلى تقويض تقديم الخدمات الأساسية، وتقويض سبل كسب العيش والظروف المعيشية الضعيفة أصلاً. حيث تدهور العمل في المنشآت الصناعية والتجارية مما تسبب في مزيد من التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه القطاع، وارتفاع نسب البطالة.
وتتأثر الأعمال الحرة بانقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير، ويضطر العمال إلى العمل في ساعات الليل أحياناً ما يشكل تحدياً كبيراً لهم. بالإضافة إلى أن بعض أرباب العمل يستعيضون عن الآلات التي تعمل بالوقود أو الكهرباء، بالقوة البدنية للعمال لإنجاز العمل
الاتجاه نحو الطاقة الشمسية
اتجه فلسطينيون في قطاع غزة، خلال السنوات الأخيرة، إلى الاعتماد على الطاقة الشمسية في توفير الكهرباء، في ظل استمرار الأزمة التي يعاني منها قرابة 2.2 مليون نسمة منذ استهداف محطة التوليد الوحيدة عام 2006.
ولا يزيد إجمالي الطاقة المتوفرة لدى شركة توزيع الكهرباء حالياً عما يتراوح بين 200 و220 ميغا واط في أفضل الأحوال، يجري توفيرها من مصدرين هما محطة التوليد والخطوط الإسرائيلية، فيما توقفت الخطوط المصرية التي كانت توفر للقطاع 25 ميغا واط منذ عام 2018.
وجاء الاتجاه نحو الطاقة الشمسية بالنسبة للبعض بديلاً عن البدائل الأخرى المرتفعة التي جرى اللجوء إليها منذ بداية الأزمة، مثل المولدات صغيرة الحجم، أو خطوط المولدات الاستثمارية التي تكلف المشتركين بها أموالاً طائلة.
ومؤخراً، قدمت العديد من الشركات العاملة في أنظمة الطاقة الشمسية تسهيلات للسكان لتركيب هذه الأنظمة ضمن دعم دولي، قدمه أطراف عدة من أبرزها البنك الدولي، للتخفيف من أزمة الطاقة الشمسية، وهو ما ساهم في انتشار ظاهرة تركيب الأنظمة بشكلٍ لافت.