العلاقات الفرنسية العراقية …هل يسعى ماكرون إلى تعويض خسائر بلاده في إفريقيا؟

منذ ثلاثة أشهر، تشهد العاصمة العراقية بغداد زخما غير مسبوق في زيارات كبار المسؤولين الفرنسيين، والتي من المقرر أن تختتم بزيارة يجريها الرئيس إيمانويل ماكرون أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وهي الثالثة من نوعها منذ توليه الرئاسة عام 2017.

وفي 18 يوليو 2023، أجرى وزير الجيوش الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، زيارة إلى بغداد، ومن المقرر أن تصل أيضا وزيرة الخارجية كاثرين كولونا نهاية أكتوبر من العام نفسه، والتي تمهد لقدوم ماكرون المرتقب أيضا للبلاد، وفق بيان للخارجية العراقية.

وأوضح البيان الصادر في 4 أكتوبر، أن ذلك جرى خلال استقبال وزير الخارجية فؤاد حسين، مستشار شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في رئاسة الجمهورية الفرنسية، باتريك دوريل.

تعويض الخسائر

وبخصوص أسباب الزيارات التي تأتي وسط خسارات فرنسية متتالية لمواقعها في إفريقيا، عقب الانقلابات التي شهدتها القارة السمراء أخيرا، رأى الباحث في الشأن العراقي، مؤيد الدوري، أن “باريس تحاول بالفعل تعويض هذه الخسارة باستثمارات كبيرة في العراق”.

وأوضح الدوري  أن “فرنسا تبحث عن حليف عربي ثري بعدما فقدت الجميع، فضلا عن خسارتها كل مواقعها الإستراتيجية في إفريقيا بالانقلابات العسكرية على الأنظمة التي كانت موالية لها، خصوصا في النيجر التي كانت تعتمد عليها باستيراد اليورانيوم منها”.

وفي 30 أغسطس 2023، أعلنت مجموعة من ضباط الجيش في الغابون الغنية بالنفط استيلاءها على السلطة في البلاد، وذلك بعد وقت قصير من وقوع انقلاب مماثل شهدته النيجر في 26 يوليو من العام نفسه.

وتمثل النيجر كنزا ثمينا لفرنسا بصفتها أحد أقوى حلفاء باريس في دول الساحل والصحراء، فضلا عن كونها مصدرا رئيسا للإمداد باليوارنيوم المستخدم في إنتاج الكهرباء لملايين الأسر بالبلاد.

واستبدلت أستراليا الصفقة الفرنسية ببناء غواصات تعمل بالطاقة النووية في صفقة جديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي عرفت باسم صفقة “أوكوس”، والتي عدتها باريس وقتها “طعنة في الظهر”.

مستويان للاهتمام

من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، أن “لدى فرنسا اهتماما كبيرا بالعراق على مستويين، الأول ثنائي، ويشمل مجالات الطاقة والأمن على وجه التحديد، والثاني على مستوى المحيط والإقليم من خلال تبنيها مشروع مؤتمر بغداد الذي سيعقد بنسخته الثالثة في العاصمة العراقية الشهر المقبل”.

وقال حيدر لصحيفة “العالم الجديد” العراقية في 5 أكتوبر، أنه “على المستوى الأول فإن الاستثمار الفرنسي في العراق يحظى بأهمية بالغة، إذ تجاوزت عقود شركات البترول الفرنسية وتحديدا شركة توتال، أكثر من 30 مليار دولار”.

وأوضح أن “استثمار شركة توتال مهم ويسهم في حل الكثير من المشاكل الاقتصادية التي تمر بها باريس حاليا، والتي سببت لها أزمات مستدامة ظهرت في الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات عن العمل”.

ويقع خور عبدالله شمال الخليج العربي، بين جزيرة بوبيان الكويتية، وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية، مشكلا خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر العراقي.

وتقضي الاتفاقية بتقسيم مياه خور عبدالله مناصفة بين البلدين، انطلاقا من قرار مجلس الأمن الدولي التابعة للأمم المتحدة رقم 833 الصادر عام 1993، الذي أعاد ترسيم الحدود في أعقاب الغزو العراقي للكويت.

مؤتمرات بغداد

وفي 2 سبتمبر/ أيلول 2020، أظهرت زيارة ماكرون الأولى إلى بغداد تطلعه إلى لعب دور بالعراق، ومحاولة فرض النفوذ في بلد عربي، للعودة بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط.

وطرح ماكرون خلال الزيارة مبادرة لدعم “مسيرة السيادة” في العراق، وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة، إذ صرّح الرئيس الفرنسي حينها بأن “العراق يواجه تحديين رئيسين هما تنظيم الدولة والتدخل الأجنبي”.

وأضاف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي برهم صالح في 2 سبتمبر 2020 أن “العراق مر بفترة مليئة بالتحديات لعدة سنوات، مع الحرب والإرهاب. عليكم أن تقودوا مرحلة انتقالية، فرنسا ستكون بجانبكم حتى يتمكن المجتمع الدولي من دعمكم”.

ولم ترد تفاصيل كثيرة عن مبادرة ماكرون، إلا أن قناة “فرانس 24” نقلت عن مصادر عراقية في 2 سبتمبر 2020 قولها إن الزيارة تركز على “السيادة” العراقية، في ظل سعي بغداد للسير على طريق مستقل بعيدا عن المواجهة بين حليفتيها العدوتين واشنطن وطهران.

وأضاف ماكرون أن “العراق اليوم مسرح لتأثيرات وتوغلات وزعزعة ترتبط بالمنطقة بأسرها” دون أن يذكر إيران صراحة.

وخلال زيارة أجراها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني إلى باريس في 27 يناير 2023، وقّع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع ماكرون، والتي عُدّت الأولى من نوعها بين البلدين.

وتتضمن الاتفاقية 4 فصول و6 أبواب و50 مادة و64 فقرة، ومن أبرز ما تضمنته، تعزيز التعاون لمواجهة مخاطر التهديدات الإرهابية ومكافحة التطرف، وتشكيل لجان ثنائية في مجالي الدفاع والأمن ومتابعة تنفيذ الخطط السنوية للتعاون الثنائي الدفاعي.

وكذلك تضمنت، تعزيز قدرات الدفاع العسكرية العراقية من خلال تنمية المهارات الضرورية وتسهيل التزود بالمُعدات الحربية فرنسية الصنع وتفعيل تبادل المعلومات والاستخبارات العسكرية بين الطرفين.

مقالات ذات صلة