الطريق الإيراني نحو القدس.. كيف مر عبر سوريا واليمن ولم يصل إلى فلسطين؟

قديما قالت العرب “أسمع جعجعة ولا أرى طحينا”، وهو مثل يقول كثيرون إنه ينطبق اليوم على إيران ووكلائها بالمنطقة، في خطابهم الدعائي حول مساندة عملية “طوفان الأقصى” الفلسطينية ضد إسرائيل.
ففي وقت تناضل فيه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بصد الاجتياح الإسرائيلي البري؛ تواصل طهران وأذرعها في المنطقة خوض “معارك كلامية واستعراضية”.
وهو ما يجعل المثل العربي الآنف الذكر ينطبق على ما يسمى “محور المقاومة” بقيادة طهران، بعدما أكثر الأخير من التصريحات دون عمل حقيقي ضد إسرائيل، وأطنب سابقا بالوعود “بسحق الكيان” دونما إنجاز.
ونفذت المقاومة الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى” في عمق مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أدت لمقتل أكثر من 1500 إسرائيلي وأسر أكثر من 200 آخرين، ورد الاحتلال بالعدوان على غزة ما أدى لاستشهاد أكثر من 9 آلاف فلسطيني منذ التاريخ المذكور.
انفضاح المحور
لكن محور إيران لم يدخل المعركة كما كان يلوح طوال سنوات خلت، بل اقتصر أداؤه على التصريحات الإعلامية التي توحي بأن الجبهات التي يمسك بها ستدخل في المعارك.
واللافت أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال إن تحديد ساعة الصفر بيد “المقاومة” في لبنان، وهي من تقرر فتح جبهات جديدة ضد إسرائيل، وذلك خلال مؤتمر صحفي بمقر السفارة الإيرانية في بيروت 14 أكتوبر 2023.
وقد التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حينها مع زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله لبحث عملية “طوفان الأقصى”.
وبالتوازي مع ذلك صرح نصر الله، بالقول إن “وضع المقاومة اليوم ممتاز، وجميع السيناريوهات جاهزة بالكامل”.
بدوره رأى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن إسرائيل تجاوزت “الخطوط الحمراء” بتكثيف هجومها على حركة حماس في قطاع غزة، الأمر الذي “قد” يدفع أطرافا أخرى إلى “التحرك”، وذلك في منشور له بتاريخ 29 أكتوبر 2023 على موقع “إكس” (تويتر سابقا).
وتمتلك إيران قرار الحرب على جبهة لبنان من خلال “حزب الله” الذي يشكل ذراعا عسكريا لطهران في هذا البلد وتدعمه بالمال والسلاح حيث يهيمن به على الدولة.
إلا أن حزب الله اكتفى بمناوشات محدودة مع إسرائيل على الحدود مع لبنان، دون فتح معركة حقيقية.
وخلال كلمة متلفزة بثت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 كان الجميع ينتظرها لزعيم حزب الله ظنا من أنه سيعلن فتح الجبهة على إسرائيل، قال نصر الله: “إن ما نفعله ضد إسرائيل على الحدود اللبنانية قد يبدو متواضعا لكنه كبير جدا”، على حد تعبيره.
وأضاف نصر الله، أن حزب الله يصعد يوما بعد يوم مما يجبر إسرائيل على إبقاء قواتها بالقرب من الحدود اللبنانية بدلا من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
الخدعة الكبرى
وكانت طهران على مدى السنوات الأخيرة روجت لمبدأ “وحدة الساحات”، وهو مصطلح تستخدمه بكثرة وسائل الإعلام المقربة من “حزب الله” وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين.
وقد دعت أصوات موالية لـ “محور المقاومة” بقيادة إيران إلى تطبيق إستراتيجية مبدأ “وحدة الساحات” العسكرية من قبل الفصائل التي “تقاوم إسرائيل” على مختلف الجبهات نصرة لـ “طوفان الأقصى”.
كما همس كثيرون في أذن إيران حول فارق التسليح بين حزب الله العسكري والتقني وبين حركة حماس التي تدعي طهران دعمها.
حتى إن صوتا من داخل حركة حماس لمح إلى ضرورة تطبيق إيران لمبدأ “وحدة الساحات” في هذا التوقيت الحساس.
وجاء ذلك على لسان عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق الذي قال في مقابلة مع قناة “تي آر تي” التركية، إن “هناك اتصالات مع إيران لكننا كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر بكثير مما جرى”.
ودعا أبو مرزوق إيران في المقابلة إلى “مزيد من المشاركة في هذه المعركة التي وصفها بـ”المفتوحة”.
الطحن الحقيقي
وأظهرت السنوات الماضية أن طريق القدس بحسب إيران ووكلائها يمر عبر دماء السوريين واليمنيين، وهذا هو “الطحن” الحقيقي لا الطحين، الذي رأته المنطقة منهم، وفق ناشطين.
فقد مارست إيران ووكلاؤها عمليات “الطحن” في سوريا حيث ارتكبت المليشيات الإيرانية وحزب الله عشرات المجازر منذ عام 2011 لقمع ثورة السوريين، وفق منظمات حقوقية وإنسانية.
وفي 17 فبراير/شباط 2022 قدم محامون حقوقيون طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية لبدء تحقيق أولي في دور إيران ومليشياتها في سوريا بارتكاب جرائم حرب.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أعداد القتلى من المكون السني في العراق وسوريا واليمن على يد إيران ووكلائها يبلغ عشرات الآلاف من المدنيين، دون أرقام دقيقة.
وهذا ما يؤكد أن جعجعة إيران فقط تجاه إسرائيل أما “الطحن” فهو من نصيب الشعوب العربية بعكس ما تروج له طهران بأن معركتها الأساسية هي ضد إسرائيل التي لم تفتح معها معركة واحدة إلى الآن.
وخاصة أن “فيلق القدس” الإيراني الذي تأسس بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) بهدف “تحرير فلسطين والقدس”، قتل قائده قاسم سليماني عام 2020 عن عمر 63 عاما، أفنى 40 عاما منه في قتل العراقيين والسوريين واليمنيين.