الحرب بين حماس وإسرائيل توسع الهوة بين دول العالم

هل يمكن أن يقوم الرئيس بوتين، المعجب بالسامية، ببطء ولكن بثبات، بمراجعة تقييمه الجيوسياسي لإسرائيل؟ وصف هذا الأمر في أروقة السلطة في موسكو بـ«اللغز الكبير»، هو، في الواقع، أقل من الحقيقة.

لا توجد دلائل خارجية على أمر كهذا – على الأقل عندما يتعلق الأمر بالموقف الروسي «المحايد» رسمياً بشأن الدراما الإسرائيلية – الفلسطينية المستعصية.

دعونا نستعرض العرض أ: مقال مهم للغاية نُشر يوم الجمعة الماضي في فزغلياد – ورقة الاستراتيجية الأمنية التي حملت عنواناً دبلوماسياً: «لماذا تبقى روسيا محايدة في الصراع في الشرق الأوسط».

يلفت المقال إلى نقاط رئيسية عدّدها بوتين في قمة رابطة الدول المستقلة الأخيرة في بيشكيك: لا بديل للمفاوضات؛ تعرضت تل أبيب لهجوم وحشي، ومن حقها أن تدافع عن نفسها، لكن التسوية الحقيقية غير ممكنة إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

من المؤكد أن هذا التحوط ليس دليلاً على ميل بوتين إلى ما يعتبر شبه إجماع بين هيئة الأركان العامة، وجهات القرار في العديد من وكالات الاستخبارات ووزارة الدفاع، بأن اسرائيل المتحالفة مع أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، قد تكون في الواقع عدواً للاتحاد الروسي.

اتبع المال

عملت تل أبيب دائماً بحذر شديد على عدم استعداء روسيا بشكل مباشر في أوكرانيا، وذلك نتيجة للعلاقات الودية المعروفة بين بوتين ونتنياهو.

مع ذلك، فإن الأمر الأكثر أهمية على رقعة الشطرنج الجيوسياسية هو علاقات موسكو المتطورة مع العالم العربي، خصوصاً المملكة العربية السعودية، الشريكة في «أوبك +»، وكذلك الشراكة الاستراتيجية مع إيران، وجلب كليهما إلى مجموعة «بريكس 11»؛ إضافة إلى الصراع المعقد والمتعدد الطبقات مع تركيا. وإذا استعرنا تعبير شي جين بينغ عن «التبادلات بين الشعوب»،

فهناك أيضاً روسيا التي تضمّ عدداً كبيراً من السكان المسلمين. وبالنسبة إلى هذه الجهات الفاعلة جميعاً، يتجاوز العقاب الجماعي الحالي في غزة أي خط أحمر محتمل.

وهنا نستحضر القضية المعروفة للملياردير الأوليغارشي ميخائيل فريدمان الذي انتقل من المملكة المتحدة إلى إسرائيل، قبل أسبوع من بدء طوفان الأقصى الذي دفعه إلى حمل جواز سفره الروسي على عجل والسفر إلى أمان موسكو.

فريدمان، أحد الأوليغارشيين الناجين من الأزمة المالية عام 1998، والذي يرأس مجموعة ألفا التي تملك مصالح كبيرة في مجالات الاتصالات والمصارف والتجزئة والتأمين، مشتبه به في «التبرع» بما يصل إلى 150 مليون دولار لنظام كييف.

وفيما يلجأ الغرب الجماعي إلى هوس «كلنا إسرائيليون الآن»، تتلخّص استراتيجية الكرملين بتقديم نفسه كوسيط مفضل، ليس فقط للعالم العربي وديار الإسلام، بل أيضاً للجنوب العالمي/الأغلبية العالمية.

وكان هذا هو الغرض من مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن، والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة, وهو مشروع أسقطه مرة أخرى، كما كان متوقعاً، المشتبه بهم المعتادون. فقد صوتت ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن – الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا – ضد القرار، إضافة إلى اليابان المستعمِر الجديد. ترجمة فورية: رهاب روسيا يسود فيما دمى الهيمنة تؤكد بشكل لا لبس فيه أحقية العقاب الجماعي الإسرائيلي على غزة.

وينعكس هذا الصمت في أروقة السلطة صمتاً في المجال العام. لم يكن هناك أي نقاش في مجلس الدوما حول الموقف الروسي من إسرائيل وفلسطين. ولم يشهد مجلس الأمن أي مناقشة منذ أوائل أكتوبر. مع ذلك، قدم البطريرك كيريلس، زعيم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، تلميحاً خفياً، عندما شدّد على أن «التعايش السلمي» له «بعد ديني» ويتطلب «السلام العادل». وهذا لا يتوافق أبداً مع التطهير العرقي المعلن لـ «الحيوانات البشرية» (حقوق الطبع والنشر تعود لوزارة الدفاع الإسرائيلية) في غزة.

 حل الدولتين

باليه «الحياد» سيتواصل. تحاول موسكو إقناع تل أبيب بفكرة مفادها أنه حتى في إطار الشراكة الاستراتيجية مع إيران،

فإن الأسلحة التي يمكن أن تنتهي في أيدي حزب الله وحماس وشكّل تهديداً لإسرائيل – لن يتم تصديرها. والمقايضة هنا هي أن إسرائيل لن تبيع إلى كييف ما يهدد روسيا.

السؤال المفتوح هو ما إذا كان ما سيتبع هذه النوايا النبيلة واقعياً؟

على عكس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لن تصنف موسكو حماس كمنظمة إرهابية. وقد كان المتحدث باسم الكرملين بيسكوف مباشراً في هذا الشأن: روسيا تحافظ على اتصالاتها مع الجانبين؛ «الأولوية الأولى»

هي «مصلحة مواطني الدولة الذين يعيشون في فلسطين وإسرائيل»؛ واحتفاظ روسيا بموقف «الطرف الذي يملك القدرة على المشاركة في عمليات التسوية».

مقالات ذات صلة