الحرب الإقليمية تحاصر تل أبيب في “فخ” قطاع غزة

الشراكة الاستراتيجية الروسية – الإيرانية، بين اثنتين من القوى الثلاث الكبرى (الثالثة هي الصين) في «قلب العالم» (القارة الأوراسية تقع في مركز العالم بحسب جون ماكندر، أحد مؤسسي الجيوبوليتيك)، تنصب في غرب آسيا فخاً محكماً للهيمنة، مشوباً بصبغة صن تزو (قائد عسكري صيني ومؤلف كتاب «فن الحرب» وصاحب نظرية أن النصر في الحرب يأتي قبل الانخراط في القتال).
باستثناء إسرائيل، ما من كيان على هذا الكوكب قادر على تحويل التركيز، في لمح البصر، بعيداً عن كارثة الهيمنة المذهلة في أوكرانيا. يعتقد المحافظون الجدد الشتراوسيون المضطربون ذهنياً والمسؤولون عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وليس بالضبط أتباع بسمارك، أنه إذا كان مشروع أوكرانيا بعيد المنال، فإن مشروع الحل النهائي في فلسطين سيكون بمثابة تطهير عرقي سهل.
لكن السيناريو الأكثر منطقية هو أن «محور الشر» الجديد المؤلف من روسيا والصين وإيران يمتلك كل ما يلزم لجر القوة المهيمنة إلى مستنقع ثانٍ قد لا تجد طريقاً للخروج منه إلا باعتماد خيار «الدكتور سترينغلوف» (فيلم لستانلي كوبريك حول حرب نووية تخرج عن السيطرة). الأمر كله يتعلق باستخدام تقلبات العدو واضطرابه لإخلال توازنه وإرباكه حتى النسيان.
الانتقام لـ«قرن الإذلال» العربي
لقد أظهر حزب الله قدراً غير عادي من ضبط النفس حتى الآن من خلال عدم ابتلاع أي طعم. يدعم الحزب المقاومة الفلسطينية ككل، وحتى وقت قريب كانت لديه مشاكل جدية مع حماس التي حاربها في سوريا. ولا يتحالف حزب الله، الشيعي من الناحية الأيديولوجية، مع حركة حماس التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. حماس، بالمناسبة، لا تديرها إيران. وبقدر ما تدعم طهران القضية الفلسطينية، فإن حليفها المحلي الرئيسي هو حركة الجهاد الإسلامي.
الخبر المهم هو أن كل هذه القضايا تم حلها الآن. وتوجهت قيادات كل من حماس والجهاد الإسلامي إلى لبنان لزيارة السيد نصر الله شخصياً. وهذا يوضح وحدة الهدف ــ على الأقل في الأمد القريب.
هذا يعني أن حماس وإيران وروسيا يتفاوضون على الطاولة نفسها.
دعت حماس فلسطينيي الشتات – وغالبيتهم في الأردن ولبنان – فضلاً عن أراضي الاسلام وجميع الديار الإسلامية إلى الوحدة. «العالم العربي» في هذه الحالة سيتألف في الأغلب من حزب الله وسوريا اللذين أعادا الاتصال بحماس قبل بضعة أشهر فقط. «أراضي الإسلام» تعني بشكل أساسي إيران وتركيا وباكستان.
الأمر كله يتعلق بمضيق هرمز
جوهر الأمر في أي استراتيجية روسية – إيرانية هو مضيق هرمز الذي يمر عبره ما لا يقل عن 20% من النفط العالمي (حوالي 17 مليون برميل يومياً)، إضافة إلى 18% من الغاز الطبيعي المسال (3.5 مليار قدم مكعب على الأقل يومياً).
لدى إيران القدرة على إغلاق المضيق في لمح البصر. بادئ ذي بدء، سيكون ذلك بمثابة نوع من قصاصاً عادلاً من سعي إسرائيل غير القانوني إلى ابتلاع كل الغاز الطبيعي الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات والذي تم اكتشافه قبالة سواحل غزة:
وهذا، صدفة، أحد الأسباب الرئيسية للتطهير العرقي في فلسطين.
مع ذلك، فإن الصفقة الحقيقية تتلخص في إسقاط هيكل المشتقات المالية الذي صممته وول ستريت بقيمة 618 تريليون دولار، كما أكد لسنوات المحللون في غولدمان ساكس وجي بي مورجان، فضلاً عن تجار الطاقة المستقلين في الخليج الفارسي.
إعادة توليف الحرب الأبدية على سوريا
في ظل البركان الحالي، تعتمد الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين حذراً شديداً. بالنسبة للعالم الخارجي، يتمثل موقفهما الرسمي برفض الانحياز إلى فلسطين أو إسرائيل؛ الدعوة إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية؛ الدعوة إلى حل الدولتين؛ واحترام القانون الدولي. فيما أحبطت قوى الهيمنة كل مبادراتهما في الأمم المتحدة.
في الوضع الراهن، رفضت واشنطن إعطاء الضوء الأخضر لغزو إسرائيلي بري لغزة. السبب الرئيسي هو الأولوية الأميركية المباشرة: شراء بعض الوقت لتوسيع الحرب إلى سوريا، «المتهمة» بأنها نقطة العبور الرئيسية للأسلحة الإيرانية إلى حزب الله. وهذا أيضاً يعيد فتح جبهة الحرب القديمة نفسها ضد روسيا.
ولا ينبغي أبداً نسيان أن الصين وإيران تربطهما شراكة استراتيجية شاملة. في هذه الأثناء، عزز رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران في اجتماع مع النائب الأول لرئيس الوزراء الإيراني محمد مخبر.
تذكروا آكلي الأرز الكوريين
تحافظ الميليشيات الموالية لإيران، في محور المقاومة، على درجة مواجهة دقيقة مع إسرائيل، بما يشبه حرب العصابات. لن يشارك هؤلاء في هجمات واسعة النطاق. لكن، كل الرهانات ستنتهي إذا غزت إسرائيل غزة. ومن الواضح أن العالم العربي، رغم كل تناقضاته الداخلية الهائلة، لن يتسامح ببساطة مع المذبحة التي ترتكب ضد المدنيين.
بصراحة، في المنعطف الناري الحالي، وجدت القوة المهيمنة فرصة للخروب من اللإذل الذي لحق بمشروع أوكرانيا الكوني. وهم يعتقدون مخطئين أن الحرب القديمة التي أشعلت من جديد في غرب آسيا يمكن «تعديلها» حسب الرغبة. وإذا تحولت حربان إلى مأزق سياسي هائل، فما الجديد في ذلك؟ سيبدأون ببساطة حرباً جديدة في منطقة المحيط الهندي والهادئ.