
الإخفاقات العسكرية لإسرائيل “السيناريو الأسوأ” لحرب غزة
مزيد من الإخفاقات العسكرية والأمنية بدأت تتكشف في اليوم السادس من الحرب الدائرة بين “حماس” وإسرائيل، ساعدت بدورها في دخول نحو ألفي عنصر من الحركة الفلسطينية إلى الجنوب الإسرائيلي من دون أي إزعاج، بل إن رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي وقف في المرة الأولى منذ بداية الحرب ليعترف بالفشل الذريع عسكرياً وأمنياً وبعدم القدرة على حفاظ أمن البلاد ومواطنيها.
مرارة ضربة “حماس” لم تحل دون دعوة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إلى تنحية كل التفاصيل السابقة جانباً والتجند في المعارك ضد غزة باعتبارها “حرباً طويلة وصعبة، وهي حرب على وجودنا”.
هذا الحديث لم يقنع كثير من المتخصصين والأمنيين وحتى السياسيين الذي ملأوا استوديوهات قنوات التلفزيون الإسرائيلي قبل وبعد حديث هليفي، فيما برزت عناوين الصحف لمقالات تقارن هذه الإخفاقات بإخفاقات حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 أو ما يسميها الإسرائيليون حرب يوم الغفران.
الجنرال احتياط، إسحق بريك، الذي خدم في سلاح البرية وكان أبرز العسكريين السابقين الذين انتقدوا القيادة العسكرية – الأمنية وحملوها مسؤولية ما حدث، تصدر مختلف وسائل الإعلام ووجه انتقادات لاذعة للقيادة العسكرية مبرزاً الإخفاقات الخطرة.
في صحيفة “معاريف” منح مقابلة مطولة سادس يوم الحرب حول إخفاقات الجيش، فوصف القيادة بـ”المتعجرفة” ورؤساء أركان الجيش بـ”النيام”. وقال صراحة “الفشل في حرب غزة 2023 هو أخطر من حرب أكتوبر قبل 50 سنة بالضبط، حيث الانهيار الكامل لاستخباراتنا، فكيف يمكن أن تحضر حماس منذ عام لعملية، كما يعلم الآلاف من عناصرها ونحن لا نعلم؟”.
في مجمل مقابلته قال “جهاز الشاباك لدينا يعرف كيف يجد نافذة ينحني خلفها جندي، كيف لم يكتشف العملية. أين كانت شعبة الاستخبارات؟ كيف يعقل أن يفاجئونا في صباح أحد الأيام بهذه الطريقة المأسوية؟
لماذا لم يتمكن سلاح الجو من العمل خلال ساعة واحدة؟ هذا فشل استخباراتي وعملياتي خطر لا مثيل له، ونتيجة لجيش نما على الغطرسة والعجرفة والفساد، هذا خطأ فادح لا يمكن تفسيره، لكنه يظهر مدى الإهمال والافتقار إلى الاستعداد العملياتي”.
وسئل بريك عما يمكن فعله الآن؟ فرد قائلاً “هناك مشكلات خطرة في الحرب داخل غزة. من يطالب باحتلال القطاع لا يفهم أنه توجد بيوت مفخخة وبحر من القنابل والصواريخ المضادة للدبابات والعبوات الناسفة، إلى جانب قتلى وجرحى في صفوف قواتنا عندما يهرب 40 ألف فلسطيني إلى الأنفاق”، وفق تعبيره.
في حديثه هذا ينتقد الجنرال احتياط القيادة السياسية والعسكرية، بقوله “كان تصور نتنياهو أن التهديد الرئيس هو البرنامج النووي الإيراني. كان يهتم ليل نهار بهذا الأمر فقط، لم يفهم أنه لا يمكن الانتصار في الحروب بواسطة الطائرات،
بل بالتعاون بين البر والجو. وفي الوقت نفسه رؤساء الأركان ينامون ولا يستعدون لما سيأتي. قلصوا الجيش ويبررون ذلك في أن لدينا سلاماً مع مصر والأردن، والقصور أيضاً في المعدات والتدريبات وفي الآونة الأخيرة فقط بدا هرتسي هليفي وقبله بيني غانتس يصغون”.
فشل واسع النطاق
من جهته اعتبر المتخصص في الشأن العسكري بصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، ما حدث “إخفاقاً كبيراً فاجأ أجهزة الاستخبارات وأدى إلى انهيار مفهوم الدفاع العملياتي على حدود قطاع غزة بشكل كامل”.
بحسب هرئيل “تمت مهاجمة مواقع عسكرية، يبدو أن الاستعدادات فيها كانت نسبية، ووجدت فيها قوات محدودة. وعندما تم شل هذه المواقع موقتاً توغلت قوات النخبة التابعة لحماس في عدد كبير من المستوطنات المحيطة، التي ظلت من دون حماية تذكر.
والنتيجة هي أنه حتى بعد ساعات من الهجوم الذي بدأ في الساعة 6:30 صباحاً كانت لا تزال المستوطنات محاصرة وعديد من عناصر الحركة يتحصنون في منازلها، وللأسف فإن هذه المخططات تتماشى تماماً مع التدريبات التي أجرتها حماس طوال هذه السنوات. من دون سابق إنذار ومع ضعف الاستعدادات الدفاعية تم اختراق الأسوار”.
وكما حدث قبل 50 عاماً، تحدث المفاجأة يوم السبت، يقول هرئيل “بعد نهاية السبت، هذه المرة سيبدأ هجوم الأبواق لتثبيت السرد، الشاباك هو المسؤول، شعبة الاستخبارات هي المسؤولة، ورئيس الأركان هو المسؤول، والاحتجاج هو المسؤول. سيتوقف الاحتجاج الآن. وبحق، حتى نهاية الحرب، لكن يجب عدم التخلي في نهايتها عن التحقيق العميق – ماذا حدث لنا وكيف وقعنا في مثل هذا الفخ القاتل؟”.
وأضاف “ربما لم تكن هناك معلومات استخباراتية، ولكن كانت هناك إشارات أولية، من غزة إلى الضفة الغربية. لقد تم تجاهلها من قبل القيادة بأكملها. يمكن للمرء أن يتوقع هجوماً سياسياً ضخماً، في هذه الحال أيضاً، تماماً كما حدث في عام 1973”.
ما بين 1973 و2023
لا تنحصر الانتقادات في كيفية اختراق الجدار ودخول المقاتلين الفلسطينيين والسيارات بل الوقت الطويل الذي مضى حتى تمكنت المؤسسة العسكرية – الأمنية من معرفة ما يجري.
المتخصص في الشأن العسكري، نداف ايال، صوب انتقاده مباشرة إلى الجيش الإسرائيلي متسائلاً باستهزاء “هل الجيش الإسرائيلي العظيم أحد الجيوش الأقوى في العالم زعماً لا يمكنه في غضون ساعتين أو ثلاث ساعات الوصول إلى كل نقطة في بلاده يوجد فيها سيطرة الفلسطينيين، حتى حين يكون الحديث يدور عن تسلل واسع؟ ربما ليس لحسم فوري في كل معركة، ربما ليس لتصفيتهم لكن في الأقل مبادرة اشتباك وإدارة نار”.