اعتقالات وفصل من العمل ومنع التظاهر.. هكذا قمعت إسرائيل عرب 48 المتضامنين مع غزة

رغم مساعيهم للخروج في مظاهرات لرفض إبادة غزة أو تهجير سكانها، إلا أن رد فعل أهالي فلسطين المحتلة عام 1948 (يحملون جنسية إسرائيلية) مازال ضعيفا مقارنة بحرب مايو/أيار 2021 حين خرجوا يدعمون المقاومة واصطدموا مع اليهود المتطرفين.

ويرجع ذلك إلى تعامل الاحتلال معهم هذه المرة بصورة أشد ضراوة امتدت من الاعتقال والإبعاد عن قراهم وملاحقتهم قضائيا وفصلهم من العمل أو الجامعات، إلى التهديد بإسقاط الجنسية، فضلا عن الاعتداء عليهم وترهيبهم وحرق منشآتهم.

وواجه عرب 48، منذ 7 أكتوبر 2023، واحدة من أشرس موجات الملاحقات والاضطهاد التي اتخذت أشكالاً أكثر قمعاً بشكل صريح، وشملت اعتقالات واستدعاءات للتحقيق وحرمانا من التعليم وفصلا من العمل بشكل تعسفي، بموجب أدلة واهية كاذبة.

وعلى غرار سياسة تكميم الأفواه في الغرب، تعامل الاحتلال مع فلسطينيي 48 بنفس الأسلوب وأسوأ، ومنع حرية التعبير عمن طالبوا بوقف العدوان على غزة، رغم أنهم يفترض أنهم “مواطنون إسرائيليون” عرب.

اشتكى العديد منهم في تصريحات لصحف عربية وعبرية داخل الاحتلال من تعرضهم لـ”خطاب كراهية”، ووصفهم بـ”الخونة” وتوعدهم بنكبة جديدة، مثل أهالي غزة، على غرار نكبتهم الأولى حين طردتهم العصابات الصهيونية من أرضهم عام 1948؟

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، تم اعتقال أكثر من 110 فلسطينيين ممن يطلق عليهم “عرب إسرائيليون” بتهم تتعلق بـ”حرية التعبير”، بحسب مركز “عدالة” القانوني لحقوق الأقلية العربية في الكيان الإسرائيلي.

ماذا حدث؟

لعدم وجود مدرسة عربية للأطفال المصابين بمرض التوحد داخل الاحتلال، اضطر الفلسطيني الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية “فادي الجمل” لإدخال ابنه “فجر”، 10 سنوات في مدرسة يهودية إسرائيلية.

لكنه فوجئ عقب اندلاع القتال في غزة بطرد المدرسة ابنه المصاب بالتوحد في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بتهمة “دعم حركة حماس” وفق ادعاء المدرسة.

قال لموقع “سكاي نيوز عربية”: اتصلوا بي من المدرسة فجأة وقالوا لي إنهم طردوه لأنه تحدث عن حركة حماس أمام الطلاب، لكن اتصالا هاتفيا أكد أنه طُرد لأنه “عربي”، وتهمة تأييده حماس لفقت لإيجاد تبرير لقرار طرده.

قصة “فجر” ليست الوحيدة التي تمثل الهجمة الشرسة التي مارستها المؤسسات الإسرائيلية كافة ضد فلسطينيي الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بموجب الولادة لكنهم فلسطينيون في الهوية والانتماء.

حيث تم طرد عشرات الطلاب العرب من المدارس والجامعات الإسرائيلية بدعوى دعمهم حماس، لمجرد أنه طالبوا بوقف إطلاق النار، وجرى طرد موظفين فلسطينيين من أماكن عملهم، واشترطت شركات في التعيين ألا يكون المتقدم “عربيا”.

وأكدت وكالة الأنباء الفرنسية” في 20 أكتوبر، تعرض العديد من عرب إسرائيل والفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة بشكل يومي للطرد من العمل أو السجن بسبب منشورات كتبوها على مواقع التواصل أيدوا فيها تضامنهم مع أهالي غزة.

وقال مدير جمعية “مساواة” الحقوقية، جعفر فرح، لوكالة الأنباء الفرنسية: “تم منذ بدء الحرب فصل نحو 150 عاملا وحوالي 200 طالب وطالبة (عرب) من جامعات ومعاهد مختلفة” لأسباب تتعلق بإبداء آراء متضامنة مع قطاع غزة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكدت أن “مواطنين عربا عبروا عن مواقف مخالفة للتوجه العام (الإسرائيلي المعادي لحماس) تم فصلهم من وظائفهم”.

وأن “بلدية رحوفوت على سبيل المثال، طلبت من متعهدي مشاريع البناء في المدينة التوقيع على إقرار بعدم وجود عمال عرب في الموقع”!

مواقع التواصل

تقرير مطول لمجلة “فورين بوليسي” أوضح إن فلسطينيي 48، الذين بقي منهم 156 ألف فلسطيني داخل أرضهم المحتلة عقب حرب 1948، وأصبحوا لاحقا مواطنين إسرائيليين، وبلغ عددهم حوالي 2 مليون نسمة يتعرضون بشكل يومي لـ “الطرد من العمل أو السجن بسبب منشورات على مواقع التواصل تتضامن مع قطاع غزة.

ذكرت المجلة في 7 نوفمبر/تشرين ثان 2023 أن الحرب في غزة تضغط على “عرب إسرائيل” بشكل متزايد، ويتعرض طلاب وعمال للفصل والتحقيق بسبب ملاحقات قضائية واتهامات بالتحريض على الإرهاب.

وقالت الشرطة الإسرائيلية في بيان بتاريخ 27 أكتوبر، إنها ألقت القبض على “أكثر من 100 مشتبه به بالتحريض، وتم تقديم 24 لائحة اتهام في إجراءات سريعة ضد المحرضين”.

وأضافت: “تمت إزالة أكثر من 300 منشور يشجع على العنف والتحريض والدعم والانتماء إلى منظمات إرهابية، منها 146 ملف تحقيق تم فتحه بعد أن تبين أن المنشورات يشتبه في تحريضها ودعمها لمنظمة إرهابية”.

الممثلة الفلسطينية التي تحمل هوية إسرائيلية “ميساء عبد الهادي” كانت إحدى هؤلاء الضحايا، حيث تم اعتقالها وسجنها باتهامات من بينها “التحريض على الإرهاب”.

المظاهرات ممنوعة

عكس ما جرى عام 2021، منع الاحتلال الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل من تنظيم مظاهرات ضد الحرب الحالية على غزة، وأعلن مفوض الشرطة كوبي شبتاي منع “المظاهرات ضد الحرب”.

تشديد شرطة الاحتلال على منع المظاهرات، دفعها لاعتقال قيادات سياسية بمدينة الناصرة بينهم حنين زعبي ومحمد بركة، ورئيس حزب “التجمع الوطني الديمقراطي”، سامي أبو شحادة، لاعتزامهم التظاهر لرفض إبادة غزة.

الاحتلال زعم أن المظاهرة التي كانت مقررة يوم 9 نوفمبر “قد تؤدي إلى التحريض والإضرار بالسلام العام”، ولم يتردد في اعتقال “محمد بركة” نفسه رغم أنه رئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل، وهي أعلى هيئة تمثل الفلسطينيين في الداخل المحتل، مع آخرين.

وفي 8 نوفمبر صادق الكنيست الإسرائيلي، في القراءة الثالثة، على قانون يجرم مشاهدة “المحتوى المؤيد للإرهاب” وصوت لصالح القانون 13 عضو كنيست مقابل اعتراض أربعة أعضاء، بحسب موقع “عرب 48”.

ويحظر هذا القانون على من يحمل الجنسية الإسرائيلية وبينهم فلسطينيو الأرض المحتلة 1948 “مشاهدة محتوى إرهابي”، وذلك في إشارة لحظر مشاهدة فيديوهات كتائب القسام بتقدير أن القانون الإسرائيلي يعدها “منظمة إرهابية”

وقال المتحدث باسم الكنيست إنه سيتم الحكم “على أي شخص تثبت إدانته بارتكاب هذه الجريمة بالسجن لمدة عام واحد”.

مقالات ذات صلة