استعادة العشائر لمناطق بدير الزور السورية.. ما تأثيرها على جهود تركيا لإنهاء مليشيا “قسد”؟

خلال أيام معدودة فقط، تمكن أبناء العشائر العربية في محافظة ديرالزور السورية من تغيير معادلة السيطرة والنفوذ هناك على حساب قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من واشنطن.
وحمل أبناء عدد من العشائر في ديرالزور السلاح وانتفضوا ضد “قسد” بهدف وضع حد لسياساتها الدخيلة وانتهاكاتها بحقهم، وسرقتها لخيرات المنطقة من النفط والغاز.
وخاض أبناء العشائر منذ 27 أغسطس/آب 2023 مواجهات بالأسلحة الخفيفة ضد مليشيا “قسد” في عدد من القرى والبلدات في ديرالزور، وتحديدا على الضفة اليسرى من نهر الفرات الغنية بالنفط، وتمكنوا من طردها من عدد منها وإزالة حواجزها هناك.
معادلة جديدة
وقرأ مراقبون عسكريون أن هذه التغيرات المفاجئة في ديرالزور تنظر إليها تركيا “بعين الراحة” كونها تضعف مليشيا “قسد” التي تتوعدها أنقرة بعملية عسكرية برية منذ 23 مايو/ أيار 2022 لاستكمال تركيا “حزامها الأمني” عند حدودها الجنوبية مع سوريا.
وتهدف تلك العملية العسكرية التركية المحتملة لتوسيع المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية بعمق 30 كيلو مترا، للسوريين الفارين من بطش نظام بشار الأسد.
فضلا عن مطالبات متكررة لسكان مناطق شمال سوريا بتحريرهم من سيطرة فروع حزب العمال الكردستاني “بي كا كا”، والأخير هو الأب الروحي لكل التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق التي تحلم بالانفصال وتأسيس دولة “كردستان” الكبرى.
وتعد قوات “ي ب ج” العمود الفقري لقوات “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني “ب ي د”، الفرع السوري من “بي كا كا”.
وعلقت الخارجية التركية، على المواجهات الدائرة بين أبناء العشائر و”قوات سوريا الديمقراطية” في مناطق متفرقة بديرالزور.
وقالت الوزارة، عبر بيان نشر في 1 سبتمبر/أيلول 2023 على منصة “إكس” (تويتر سابقا): “نتابع عن كثب وبقلق، الاشتباكات التي تدور منذ فترة في ريف ديرالزور، بين فروع التنظيم الإرهابي الانفصالي في سوريا، وبعض العشائر العربية”.
وتنتشر القوات الأميركية في 11 قاعدة ونقطة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات “قسد” شمال شرقي سوريا.
ويسكن في تلك المناطق ذات الغالبية العربية نحو 2.5 مليون نسمة من إجمالي 23 مليونا لجأ منهم نحو 7 ملايين إلى الخارج بعد الحرب، بينما تعرف هذه المناطق بسلة غذاء سوريا.
مطالب شعبية
وهناك ترابط وثيق بين استعادة العشائر لبعض مناطقهم بديرالزور وإبعاد “قسد” عنها، وبين عزم تركيا طرد فروع “بي كا كا” من المناطق التي تسيطر عليها راهنا بريف حلب والرقة والحسكة.
إذ إن أفراد الجيش الوطني السوري المعارض الذي ساند أنقرة في عملياتها العسكرية السابقة داخل سوريا، قسم كبير منهم هم من أبناء المناطق التي هجرتهم منها “قسد” بقوة السلاح الأميركي.
كما أن هناك مطالب شعبية للجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا لطرد مليشيا “قسد” من مدنهم في ديرالزور والرقة والحسكة وريف حلب التي هجروا منها نحو الشمال السوري منذ عام 2013.
وجاء الحراك في ديرالزور وإعلان العشائر العربية محاربتها لـ”قسد”، رغبة بإنهاء سياسات الأخيرة التي سعت لها خلال السنوات الثلاثة الماضية من عدم احترام خصوصية المنطقة وتهميشها للمكون العريي وسرقة النفط وإهمال تقديم الخدمات ومحاولة فرض التجنيد الإجباري على الشباب.
“فروع بي كا كا عقدت اتفاقات مع المليشيات الإيرانية وهذا ما يؤثر على المنطقة، خاصة أن طهران لها مشروع في شمال شرقي سوريا، لذا يخشى من تمدد طهران هناك بمساعدة قيادات بي كا كا، ومن هنا جاء حراك العشائر للحفاظ على مناطقهم ووضع حد لتغول بي كا كا العنصري”.
دعم لوجستي
وشدد حاج عبيد على أن “المنتظر من تركيا هو توجيه الدعم لأبناء العشائر العربية بديرالزور في مواجهة مليشيا قسد بالمنطقة الشرقية لطردهم من المناطق العربية وحصارهم في بعض المناطق، والعودة إلى العمل العسكري المنظم مع فصائل الجيش الوطني للقضاء على مشروع بي كا كا الانفصالي بسوريا عبر عمل عسكري شامل شرق الفرات”.
وقال الحمادة: “لو تيسرت الأمور وجرى دعم مناطق أخرى من قبل الجيش السوري المعارض وتركيا التي تحارب بي كا كا، إن لم يكن عبر فتح جبهات الجيش المعرض نتيجة التفاهمات الدولية، بل بدعم جيش العشائر بديرالزور لوجستيا وماديا ومعلوماتيا، فإن ذلك سيقطع الطريق على قسد أمام إقامة دويلة أو إدارة ذاتية شمال شرقي سوريا”.
اللافت أن شرارة الاشتباكات بين فروع “بي كا كا” والعشائر العربية في سوريا امتدت من محافظة ديرالزور إلى ريف مدينة منبج التابعة لمحافظة حلب وريفي الرقة والحسكة، وهذا مؤشر على القبول التركي الضمني للتحرك تجاه مناطق خاضعة لتلك الفروع هناك.
وأسفرت عملية هجوم أبناء العشائر عن السيطرة في 3 سبتمبر/أيلول 2023 على قرى المحسنلي والمحمودية وعرب حسن الواقعة شمالي منبج، فضلا عن تلة تسمى “السيرياتيل”.
وحاليا تعد مدينة منبج، بالنسبة لـ”قسد”، بمثابة شريان اقتصادي وبوابة تجارية لشمالي وشرقي سوريا، لأنها تربط مناطق سيطرتها في شرق الفرات (ديرالزور والرقة والقامشلي والحسكة) وقريبة من مدينة عين العرب مسافة 60 كيلو مترا.
وتعهد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بـ”اجتثاث الإرهابيين” من مدن تل رفعت، ومنبج، وعين العرب “كوباني” شمالي سوريا.
ارتياح تركي
وضمن هذه الجزئية، قرأ الخبير العسكري، أحمد رحال، أن “الصمت الأميركي على ما جرى لحليفته قسد يدل على أنهم أرادوا نوعا من التأديب لقيادة قسد التي رفضت كل المطالب الأميركية إن كان في إعادة الهيكلة أو أن تكون القيادة مشتركة من كل المكونات وليس لمن هم فقط القادمون من جبال قنديل في العراق”.
ولفت إلى أنه “سيكون هناك إعادة هيكلة لمجلس ديرالزور العسكري وأن تكون هناك مجالس محلية وبعيدة عن قسد بتكليف من التحالف الدولي بقيادة واشنطن بأن يكون حل وسط بين الطرفين”.
وختم رحال بالقول: “لكن ما حصل لقسد أخيرا على يد العشائر يدلل على ضرورة أن تعيد هيكلتها وأن تكون هناك شراكة مع المكون العشائري العربي وخاصة مع رفض فصائل منضوية تحت قسد الانخراط في القتال ضد أبناء جلدتهم”.
من جهته، دعا شيخ عشيرة العكيدات، إبراهيم خليل الهفل، في تسجيل صوتي نشره في 30 أغسطس 2023، إلى توحيد الصف والكلمة في مواجهة “قسد”، مؤكدا على أن “الحراك عشائري بشكل مطلق وليس كما تدعي قسد أنه تحرك لخلايا إرهابية”.
بدوره، طالب شيخ عشيرة “البكير”، عبد العزيز الحمادة، عبر بيان مصور في 30 أغسطس 2023، التحالف الدولي بدعم تشكيل إدارة مدنية جديدة “تعبر عن إرادة الأهالي وتتمتع بالشفافية والكفاءة”،
كما طالب التحالف بضمان عدم تكرار “أخطاء الإدارة السابقة العسكرية والمدنية التي سخرت إمكانياتها لتحقيق مصالحها الشخصية ضاربة بعرض الحائط استقرار ديرالزور”.
وأمام ما يجري، رأى الباحث السوري، عباس شريفة، أن واشنطن لم تكن وراء تفجر الأوضاع في ديرالزور، مشيرا إلى أن وجود ما سماها “تفاهمات تركية أميركية لتحجيم دور قسد وتوزيع النفط على كل مناطق سوريا بما فيها الشمال السوري” الخارج عن سيطرة نظام الأسد والذي يأوي نحو 5 مليون نازح عند الحدود السورية التركية.
وكذلك “فشل حوارها مع المجلس الوطني الكردي، ونتيجة الغضب العربي من تسلطها على المناطق العربية، فضلا عن تنسيق قسد الأمني مع روسيا وإيران”، وفق شريفة.