احتياطي نقدي كبير لكن لا سيولة.. لماذا لا يستطيع العراقيون سحب ودائعهم بالدولار؟

في صورة مقاربة إلى حد ما من السيناريو اللبناني، تفاجأ مواطنون عراقيون من امتناع مصارف محلية عن تسليم ودائعهم المالية التي أودعوها بالدولار، وذلك بحجة أنها لا تتملك السيولة المالية، وأن البنك المركزي العراقي، لا يسملها أموالا بالعملة الصعبة.
ومنذ 2019 تمر لبنان بأزمة مصرفية، هي أحد أوجه الانهيار الاقتصادي الذي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ عالميا منذ 1850، فقد اختفى نحو 90 مليار دولار من بنوك البلاد كان قد أودعها اللبنانيون، وفقا للمركز الإحصاء اللبناني في مايو/ أيار 2023.
وبعد رفض المصارف العراقية تسليم الودائع بالدولار الأميركي، أثيرت تساؤلات عن أسباب ذلك، وفي ما إذا كان سيفقد العراقيون أموالهم كما حصل مع اللبنانيين، أم أن الأمر مختلف على اعتبار أن العراق لا يمر بأزمة اقتصادية شبيهة بما يشهده لبنان؟
تحايل وسرقة
وبخصوص طبيعة الأزمة في العراق، قال حارث العنزي وهو مواطن عراقي، إنه تفاجأ عندما ذهب إلى أحد المصارف المحلية لسحب وديعة قدرها 15 ألف دولار كان قد أودعها قبل أشهر على أمل أن يسحبها عند البدء في بناء بيته، ووجد المصرف يخيره بين 5 آلاف دولار أو يؤجل الموضوع حاليا.
وأوضح العنزي لـ”الاستقلال” أن “المصرف ادعى أنه لا يمتلك سيولة مالية بالدولار، لأن البنك المركزي العراقي قطع عليه حصته من العملة الصعبة التي يبيعها عبر نافذة بيع العملة، وبالتالي لا حلول لديهم في الوقت الحالي، وهذا باعتقادي سرقة علنية للودائع”.
وتساءل العنزي عن مصير الأموال التي أودعها العراقيون في هذه المصارف والتي تقدر بملايين الدولارات، فهل جرى بيعها في السوق الموازي بعد ارتفاع سعر الصرف، أم جرى تهريبها إلى دول الجوار؟ محملا الحكومة العراقية مسؤولية الحفاظ على أموال المواطنين.
وفي السياق ذاته، كتب المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي تدوينة على منصة “إكس” في 2 أكتوبر، وجه فيها رسالة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، اتهم خلالها المصارف العراقية بالتحايل، وأنها أصبحت حكومة مستقلة في البلاد.
وفي 6 أكتوبر، أظهر تسجيل مصور تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، تهديد أحد المواطنين العراقيين بحرق مصرف لرفضه تسليمه ودائعه بالدولار الأميركي.
وبحسب الفيديو المتداول، فإن المواطن أراد سحب أموال من رصيده الذي أودعه في حسابه بالدولار الاميركي في البنك الأهلي الأردني، لكن الأخير رفض تسليم أمواله إلا بالدينار، وبالسعر الرسمي حصرا.
تداعيات خطيرة
وعن أسباب الأزمة ومعالجات الحكومة لها، قال الخبير الاقتصادي العراقي صلاح العبيدي، إن “الودائع لا يمكن المساس بها على تقدير أنه جرى إيداعها بالدولار، وبالتالي السحب يكون بذات العملة، وهذا ما ينص عليه القانون العراقي ويقر به المسؤولون في البلد”.
وأوضح العبيدي أن “تسليم المصارف النزر اليسير من الوديعة للمودعين أحدث لغطا كبيرا جدا في الشارع والسوق العراقي، وذلك في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وبالتالي تدّعي المصارف أنها لا تمتلك السيولة الكاملة”.
ويبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار 1320 دينارا للدولار الأميركي، لكنه في السوق الموازي (السوداء) وصل حتى يوم 1 أكتوبر، إلى نحو 1600 دينار مقابل الدولار الواحد.
وشدد الخبير العراقي على “ضرورة ألا يدفع المواطن ثمن سياسة هذه المصارف، ولهذا على الحكومة العراقية أن تخرج تطمينات منها ومن البنك المركزي حيال هذه الأزمة، لأن بعض المصارف تستغل هذه الودائع في أعمالها الخاصة”.
وأشار إلى أن “ما أربك السوق المصرفي وأثّر في سيولة المصارف، هو إقبال المواطنين مرة واحدة على سحب ودائعهم خوفا من تسليمها لهم بالدينار العراقي، وطلبوا كميات كبيرة من الدولار خلافا للمعتاد، خصوصا أن بعضهم أراد سحب كل ما لديه من ودائع”.
وتساءل الخبير الاقتصادي، قائلا: “كيف إذا مس الأمر نفسه الودائع التي تعد رصيدا للمودع، وتعبّر عن ثقة المواطن بالمصارف، فإذا لم تعط الأخيرة ودائعهم فإنهم سيضطرون إلى اكتناز العملة الصعبة في منازلهم، وهذا يؤثر على اقتصاد البلد بشكل كبير”.
واستبعد العبيدي حدوث السيناريو اللبناني في العراق، كون الواقع مختلف، فاقتصاد الأخير مختلف وقوي، وأن إيرادات بيع النفط تأتي بالدولار، لذلك أعتقد أنه لا يصح المقارنة بين الحالتين في الوقت الحالي.