أزمة إقليم الصحراء تتجه نحو التصعيد بين المغرب والبوليساريو.. ماذا حدث؟

تشكل قضية إقليم الصحراء “جرحا كبيرا” بمنطقة المغرب العربي، خاصة وأنها تهدد المنطقة بالدخول في نزاع مسلح بين المغرب وجبهة “البوليساريو“، والتي تطالب بانفصال مناطق الصحراء (جنوب) عن باقي تراب المملكة.
آخر هذه التوترات ما شهدته مدينة السمارة بالجنوب المغربي، إثر مقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين، جراء إطلاق مقذوفات متفجرة استهدفت أحياء سكنية بالمدينة، مساء 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الاستنتاجات اللازمة
ووفق وكالة أنباء المغرب الرسمية، أعلن النائب العام لدى محكمة الاستئناف بمدينة العيون، في بيان، أنه تم تكليف الشرطة القضائية المختصة بإجراء بحث قضائي بخصوص الحادث.
وأضاف البيان في 29 أكتوبر، أن النائب العام لدى محكمة الاستئناف بالعيون قد عهد لفريق البحث القيام بالخبرات التقنية والباليستية الضرورية، للكشف عن مصدر وطبيعة المقذوفات المتفجرة التي تسببت في وفاة أحد الضحايا وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة”.
من جانبها، أعلنت جبهة “البوليساريو” الانفصالية، في 29 أكتوبر، مسؤوليتها عن حادث مدينة السمارة.
وأكد هلال، في معرض رده على سؤال خلال ندوة صحفية بنيويورك في 31 أكتوبر 2023، أن “هذه التفجيرات التي خلفت شهيدا واحدا وأحزنت المغرب بأكمله، لن تمر دون عقاب”.
وشدد على أن “مرتكبي هذه التفجيرات أن يتحملوا مسؤوليتهم القانونية والسياسية أيضا، ليس فقط أولئك الذين نفذوا هذه الهجمات، بل أيضا أولئك الذين يقفون وراءهم، ويحتضنونهم، ويزودونهم بالصواريخ والكاتيوشا وقذائف الهاون”.
وأضاف هلال أن “أي انفجار يخلف آثارا وأدلة تقنية، وهو ما سيمكن المغرب من تقفي أثره”، منبها إلى أن “المغرب سيستنتج الخلاصات وما يترتب عنها من القرارات الواجب اتخاذها”.
أي رد للمغرب؟
تفاعلا مع الحدث، قال الخبير المغربي في قضية الصحراء والعلاقات الدولية، أحمد نور الدين، إن على المغرب “اتخاذ إجراءات حازمة للرد على ما وقع بالسمارة”.
وذكر نور الدين أنه “بعد اعتراف البوليساريو الانفصالية من خلال بيانها والمواقع الإلكترونية التابعة لها أو للجزائر، بالعمل الإرهابي الذي استهدف المدنيين في أحياء سكنية آمنة في مدينة سمارة بالصحراء المغربية، لم يعد هناك مجال لمواصلة المسلسل السوريالي الذي تقوده الأمم المتحدة والذي يعيش موتا سريريا منذ سنوات”.
وأضاف: “وهذا بسبب تعنت النظام العسكري الجزائري الذي يعرقل كل المقترحات والمساعي التي قد تؤدي إلى إنهاء النزاع”.
وكانت الجزائر قد قررت قطع العلاقات مع المغرب في أغسطس/ آب 2021، حيث صرح الرئيس عبد المجيد تبون في لقاء صحفي بعد ذلك، بأن الخطوة هي لتلافي المواجهة العسكرية بين بلده والرباط.
واسترسل: “هناك عمليات قتل استهدفت الصيادين والعمال وسائقي الشاحنات المدنيين، بالإضافة إلى الهجمات التي استهدفت قتل وخطف المدنيين في مدن طانطان وطرفاية وآسا الزاك وغيرها، خارج مجال النزاع، وذلك قبل استكمال الجدار الأمني”.
وتابع نور الدين: “كما يمكن تعزيز الملف بشهادات ضحايا التعذيب وشهادات عائلات ضحايا الاختطاف داخل مخيمات تندوف والذين يتجاوزون 600 مختطف من أبناء الصحراء مازال مصيرهم مجهولا إلى اليوم، دون أن ننسى تضمين الضحايا المدنيين الأجانب ومنهم موريتانيون في هذا الملف”.
مصدر الانفجار
ونقل موقع “زنقة 20” المحلي، عن مصدر عسكري، أن “المسافة التي تفصل السمارة عن الجدار الأمني، تشير الى احتمالية أن المقذوفات التي تعرضت لها المدينة، قادمة من مناطق خاضعة للسلطات الترابية المغربية”.
وأوضح المصدر في 29 أكتوبر 2023، أن “السمارة تبعد أزيد من 40 كلم عن الحزام الأمني، وقذائف غراد لها مدى بين 20 و25 كلم”، مؤكدا أن “المنشآت العسكرية لم يتم استهدافها خلال هذا الهجوم ذي الطابع الإرهابي”.
وأبرز أنه “حتى إن امتلكت البوليساريو أحد نسخ غراد بمدى 40 كلم، فهي غير قادرة على استهداف المدينة انطلاقا من المناطق العازلة”.
وشدد المصدر العسكري على أن “الحديث عن معطيات تقنية مثل مدى 54 كلم لمثل هذه المقذوفات أمر مجانب للصواب”.
أما أستاذ الدراسات السياسية والدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، المنار اسليمي، فقال إن هناك احتمالات كثيرة وراء أحداث الانفجار بالسمارة.
ولم تعلق الجزائر على حادث مدينة السمارة ولا ما جاء في الاتهامات الواردة على لسان المتحدثين.
وفي قراءته للمشهد، قال الباحث في التواصل السياسي عبد الصمد بنعباد، إنها “لا توجد رواية رسمية لما وقع، بل بلاغات حول الحدث دون تفصيل أو ذكر للخلفيات”.
وأوضح بنعباد في تحليل قدمه على قناته عبر منصة “يوتيوب” في 29 أكتوبر 2023، أن “مشاهد صور الانفجارات تُظهر بقايا جسم متفجر”، مقدرا أن “سيناريو استهداف المدينة من خارج الحدود فيه فشل عسكري للمنظومة التي قيل إن المغرب قام بشرائها من إسرائيل”.
تفاعلات واسعة
عدد كبير من المغاربة تفاعلوا مع حادث الانفجارات بمدينة السمارة، معربين عن تضامنهم مع الضحايا، مؤكدين أن ما وقع “هو تطور نوعي خطير في ملف قضية الصحراء”.
وفي هذا الصدد، قالت نائبة رئيس مجلس النواب السابق، أمينة ماء العينين، إنه إلى أن يتضح من المصادر الرسمية الموثوقة حقيقة ما جرى في السمارة، “لابد من التأكيد أن التحرش بالمغرب ومصالحه واستهداف استقراره ووحدة أراضيه هو عمل جبان سيقاومه المغرب الحر”.
وشددت ماء العينين في تدوينة على فيسبوك في 29 أكتوبر، على أن “مصالح المغرب وسيادته على كامل أراضيه وأمنه واستقراره خط أحمر للمغاربة جميعا، وإذا لم يتعقل الخصوم فبلدنا قادر على الدفاع عن نفسه، وشعبه متأهب للرد على أي عدوان جبان”.
ونبهت إلى أنه “في هذا الوقت الذي يجب أن تتوحد الأمة وتتكاتف جهودها لنصرة فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، يستغل الأغبياء الظرف لتشتيت الجهود وافتعال الأزمات”.
القانون الدولي
ويرى الخبير الأمني عبد الرحمن المكاوي، أن “استهداف المدنيين، سواء كان ذلك بين دولة ودولة أو بين جماعة ودولة، وحتى بين جماعة وجماعة، هو خرق سافر لاتفاقيات جنيف، وجبهة البوليساريو لها مخططات إرهابية، ما يعني أن المغرب له حق الرد”.
وقال المكاوي لموقع “هسبريس” المحلي مطلع نوفمبر 2023، إن “أحداث السمارة تقوي وجهة نظر المغرب التي تبين أن جبهة البوليساريو تنظيم ميلشياتي إرهابي يستهدف المدنيين العزل”.
ولفت إلى أن “هجوم السمارة يؤكد التحولات الإيديولوجية داخل جبهة البوليساريو، بحسب المتحدث ذاته، الذي بين أن “هاته الجبهة كونت خلايا نائمة داخل التراب الوطني المغربي، عبر تقديم تدريبات خاصة على المتفجرات وصناعة التوتر والإرهاب في مخيمات صيفية في الجزائر”.
وتابع: “وانطلاقا من هاته التدريبات، تسعى البوليساريو إلى تفعيلها ضد المدنيين بالأقاليم الجنوبية للمملكة، بعد فشلها في اختراق الجدار الأمني، وذلك باحتضان جزائري واضح”.
وشدد الخبير الأمني ذاته على أن “هاته المخططات الإرهابية مستمرة من قبل جبهة البوليساريو، لكن الجيش المغربي ومختلف السلطات لهما علم واسع بالأمر، وستكون النتائج ظاهرة من خلال التحقيق الجاري في الوقت الحالي، ومن خلاله ستحدد طبيعة الرد”.