أرقام مخيفة.. لماذا تصاعدت هجرة الشباب من غزة خلال السنوات الأخيرة؟

هربا من “جحيم” قطاع غزة، خاض إسماعيل ست محاولات فاشلة للوصول إلى “جنة” الاتحاد الأوروبي، مفضلا ركوب الأمواج على البقاء في تلك البقعة المحاصرة.
الشاب العشريني رافضا الكشف عن اسمه بالكامل، وصل من قطاع غزة إلى تركيا قبل سنتين، لإكمال طريقه نحو اليونان، وهو ما حدث بالفعل أخيرا.
وراج ملف الهجرة من غزة إلى أوروبا من جديد تزامنا مع حلول موسم “الهروب الكبير”، في خضم تحسن الطقس وصعوبة البقاء في تركيا والحصول على إقامة فيها.
وفُتح هذا الملف من جديد عقب وقف مؤقت لإصدار التأشيرة التركية لسكان قطاع غزة، إثر حالة ازدحام شديدة خلال سبتمبر/أيلول 2023، شهدها مقر الشركة الوحيدة المخوّل لها إصدار التأشيرات إلى أنقرة.
ففي 9 سبتمبر، تطوّرت حالة الزحام إلى حدوث احتكاك بين المواطنين الراغبين في الحصول على التأشيرات وبين موظفي الأمن الخاص بشركة “باسبورت”.
وهو نتج عنه إصابة عدد من الفلسطينيين إثر تهشم بوابة زجاجية للمبنى الذي تقع فيه الشركة. وجرى على إثر ذلك وقف استقبال الطلبات ليعاد العمل بعدها بأيام.
وأظهرت مقاطع فيديو الآلاف من الشبان أمام مقر الشركة وهم يحاولون التقديم للحصول على الفيزا، مما فتح ملف هجرة الغزيين إلى الخارج.
وبعد أيام على الإغلاق، عادت الشركة لاستقبال الطلبات بدءا من 17 سبتمبر، “بناء على ضوابط ومتطلبات جديدة لأنواع تأشيرات الدخول كافة”.
أسباب الهجرة
مثّل فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006 شرارة لقضية هجرة الشباب بسبب ما تبع هذا الانتصار الديمقراطي الكاسح من حصار إسرائيلي وانقسام داخلي.
وحصدت حماس آنذاك غالبية مقاعد البرلمان (76 من أصل 132)، فيما رفضت حركة التحرير الوطني “فتح” وبقية الفصائل الفلسطينية، المشاركة في الحكومة التي شكلتها الحركة الإسلامية وقتها برئاسة إسماعيل هنية، لغياب التوافق على برنامج سياسي واحد بينهم.
واستمرت الخلافات السياسية بين الطرفين إلى حين اتهام حركة “حماس” بمحاولة الإطاحة بحكومتها، من خلال إحداث “مشاكل داخلية وفلتان أمني”.
ومنذ ذلك الوقت والنظام السياسي الفلسطيني في الأراضي المحتلة يعاني من انقسام، عزّز حالة الفصل الإداري والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية، والتي أوجدتها إسرائيل.
وبين أن ذلك يأتي “في ظل وجود انقسام مرير وحصار مطبق وانعدام لأي أفق لتطوير وتنمية واقع الشباب الفلسطيني”.
لذلك، يواصل الصوير: “يجب ألا نندهش أو نتعجب من الهجرة، فهي نتيجة طبيعية محتومة لواقع حياة يعيشها شاب ثلاثيني لا يستطيع الزواج أو الحصول على وظيفة أو توفير قوت يومه”.
وبين أن غياب التحرك “سيؤدي إلى تصاعد وتيرة الهجرة، وهذا بالضبط ما تصبو إليه دولة الكيان لتفريغ غزة من الشباب المعذورين بسبب الآفاق المنعدمة أمامهم في كل المجالات”.
رحلة مرهقة
ويوضح الشاب العشريني إسماعيل أنه بقي في تركيا بهدف العمل مدة سنتين من أجل جمع المال ليتمكن من مواصلة طريقه نحو اليونان.
كما جمع مبلغا من المال قبلها من أجل استخراج فيزة تركيا وتأمين تذكرة الطيران والمعيشة خارج بلده.
ويدفع الغزيون 660 شيكلا (173 دولارا) من أجل استخراج التأشيرة التركية من النوع السياحي، وهو مبلغ قريب من المعاش الشهري للعاملين على بنود “بطالة” (العقود غير الدائمة).
وأضاف إسماعيل بعد وصوله أخيرا إلى أوروبا: “أنتظر منذ شهور الحصول على إقامة في اليونان للذهاب إلى ألمانيا لأن الوضع الاقتصادي هنا سيئ جدا، ونعمل بأجور زهيدة”.
ويقول إن الخروج من هنا والذهاب إلى بلد أوروبي بأوضاع اقتصادية أفضل مثل ألمانيا أو بلجيكا أو هولندا يتطلب ما يقارب 5-6 آلاف يورو، وهو مبلغ لا يمتلكه.
ويرى أن هذه الرحلة شاقة ماليا ومنهكة جسديا، ولكنها تستحق “لعدم وجود مستقبل في قطاع غزة البعيد والمغلق على العالم”، وفق وصفه.
أرقام مقلقة
ولعل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف آلاف الخريجين من الجامعات أفرز أمراضاً اجتماعية، مثل: الطلاق، والجريمة، والانتحار، وأهمها: الهجرة من وطن سعى الاحتلال إلى تفريغه من أصحابه، بحسب ما نشرت وكالة وفا في سبتمبر 2022.
ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2022، بلغ عدد سكان غزة 2.17 مليون نسمة، 65 بالمئة منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، و80 بالمئة منهم يعيشون تحت خط الفقر.
كما أن عدد العاطلين عن العمل 15 سنة، فأكثر بلغ 223 ألف شخص في عام 2022، بينما يبلغ معدل البطالة بين الشباب الخريجين في قطاع غزة 74 بالمئة، ووفق الوكالة ذاتها,
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية فلسطينية حول عدد المهاجرين من قطاع غزة، نقلت وكالة وفا الرسمية عن تقارير صحفية أنه منذ عام 2007 حتى 2021، غادر 860.632 ألف شخص القطاع دون عودة.
ومع إدراكهم لمخاطر الرحلة، يشق شباب غزة طريقهم نحو الهجرة غير النظامية من تركيا نحو اليونان بحرا أو بلغاريا برا، ثم مواصلة الطريق نحو دول أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكا. كما يصل بعضهم إلى ليبيا أو تونس من أجل بلوغ الأراضي الإيطالية.
لكن هذه الرحلة التي تكلف من 5 – 10 آلاف يورو حتى الوصول إلى ألمانيا على سبيل المثال، يتقاضها المهربون والسماسرة، قد يكون ثمنها حياتهم أيضا، كما حدث مع العشرات من شبان القطاع المحاصر.
وبحسب ما نشرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” مطلع العام 2023، فإن قرابة 362 فلسطينيا من قطاع غزة لقوا مصرعهم أو فقدوا في البحر خلال محاولات الهجرة إلى أوروبا منذ عام 2014.
تُظهر إحصائيات الأمم المتحدة أن أكثر من 2700 فلسطيني وصلوا إلى اليونان عن طريق البحر في عام 2022، فيما يشكل 22 بالمئة من إجمالي عدد الوافدين بالقوارب، وهو أعلى معدل في أي مجموعة وطنية.
وتُظهر بيانات الاتحاد الأوروبي للعام 2022 أيضا ارتفاعا حادا في طلبات اللجوء من الفلسطينيين في اليونان، نقطة الدخول الرئيسية إلى أوروبا.